U3F1ZWV6ZTM3NzI2MDkxNzkyNTQ4X0ZyZWUyMzgwMDg4MDkxMDM4OA==

الدروس الخصوصية و أزمة التعليم

  إن عدم الثقة في التعليم العمومي ظاهرة عالمية صاغتها مجموعة عوامل مما دفع بعدد كبير من الأسر إلى المزاوجة بين التعليم العمومي أو الخصوصي و الدروس الإضافية الخصوصية (الليلية غالبا ) باعتبارها منقذ لأبنائهم من الفشل الدراسي ولهم في ذلك مبررات وقناعات تصطدم بالحقيقة التي تؤكد سلبية هذه الدروس غالبا ومساهمتها في قتل التعليم العمومي بسحب الثقة منه مما يزيد في تأزيم الوضعية التعليمية . وبموضوعية أعمق تعود عدم فاعلية الدروس الخصوصية لهذه الأسباب :

1ليس كل ضعف عند التلميذ يعود إلى المدرس أو المناهج أو التكاسل أو... بــــل قـد يكـــون هذا الضعف وراثيا بحيث أن مستوى التحصيل المعرفي عند التلميذ يكون هزيلا بسبب وراثي يرجع إلى أحد الوالدين أو الجدين ومهما حاولنا مواجهة هذا الضعف فلن ننجح ، لأنه في هذه الحالة مضيعة للوقت والمال وإرهاق للـطـفل ،والأجدى والأفضل اللجوء إلى المختصين بالمجال الوراثي لا الدروس الخصوصية.

2قد يكون هذا الضعف مرضيا صحيا يعود الى خلل في أجهزة المخ المعقدة (أو بالذاكرة) و هذا يمكن علاجه إما عن طريق الطب العضوي ، و ليس بالدروس الخصوصية.

3قد يكون هذا الضعف بسبب عامل نفسي لا شعوري معين و في هذه الحالة يكون الأجدر الاستعانة بالمعالج النفسي بدل تجاهل المرض والتمادي في فرض الدروس أو الساعات الخصوصية على التلميذ الضحية ، و هو ما يمكن أن يؤدي إلى ردود فعل سلبية قد تدمر نفسية الطفل و تؤثر على مستقبله و هنا تصبح الدروس الخصوصية سببا في المضاعفات المرضية النفسية الخطيرة و ليس تصحيحا لضعف في التعليم، لأن المسبب الخفي للضعف ينشط كلما دخل التلميذ حلبة التدريس متى وحيثما كانت ، فيكون الدرس فاعلا سلبيا ينشط رد الفعل المعاكس اللاشعوري المتمثل في رفض الدرس ، وقد يرافق هذا الرفض للدرس - في حالة الإصرار عليه من طرف الأهل - ردود أفعال نفسية كميكانزمات دفاع في الأنا مثل شرود الذهن ، أو الشعور بالنوم ، أو الإحساس بالغثيان أو الاكتئاب أو غيرها. وفي بعض الأحيان تصدر عن التلميذ ردود أفعال عدوانية اتجاه المدرس أو أسرته أو زملائه أو حتى نفسه ، ومن هنا يصبح لزاما على ولي الأمر أن يكتشف علة العزوف عن الدرس ويبحث عن الحلول الناجعة بالتعاون مع الطبيب النفسي بدل مضاعفة العلة بفرض دروس قد تؤدي بالتلميذ المريض إلى ما لا تحمد عقباه.

4قد تكون هناك أسباب خارجية مؤثرة في مستوى ضعف التلميذ كضعف البصر أو ضعف السمع أو ضعف في قدرة استيعاب العقل للمعلومة، أو ضعف جسدي صحي
في العمود الفقري، أو الحوض ، أو الرجلين أو العنق أو حتى أمراض داخلية كأمراض المعدة والربو والقلب وغيرها ؛ وهذه الأمراض وغيرها تحول المقعد إلى كرسي إعدام حقيقي يعاني معه التلميذ ساعات لا هم له سوى انتهاء الحصص لتنتهي معاناته فلا يعير الدرس اهتماما- ولو أراد ذلك- ،وعدم الاهتمام تكون نتائجه ضعيفة تعليميا ،مما يوحي للولي بإضافة ساعات تعليمية لابنه تكون بمثابة إعدام معنوي ومادي للتلميذ المريض.

5كما أن الوضعية الاجتماعية للطفل يكون لها تأثير كبير على مستوى التحصيل كالفقر الذي يحرم التلميذ من حق المساواة مع زملائه في اللباس الجيد وشراء الكتب والدفاتر والتوفر على الإنترنيت في البيت ، وعدم التوفر على الكهرباء أحيانا في السكن أو البعد عن المدرسة، بل حتى وظيفة ومكانة الأب الاجتماعية لهما ـ تأثير خطير ومباشر على التلميذ ، فيشعره ذلك بالنقص والدونية والغبن مما يضعف قابليته للتحصيل غالبا، غير أن ذلك قد يكون أحيانا نادرة دافعا للتفوق بدافع غريزة المقاتلة وحب البقاء وفرض الوجود ولكن هذا نادر الوجود والشاذ لا يقاس عليه..

 6- و كذلك ظروف الأسرة المتردية يكون لها تأثيرات مباشرة على مستوى التلميذ التعليمي ، فالخلافات الأسرية و معاناتها تنعكس سلبيا على قابلية التلميذ للتعليم فيميل التلميذ إلى الشرود والتشاؤم فلا يرى فائدة في التعليم ولا أمل في مستقبله كما تتشكل لديه أحيانا دوافع لا شعورية للانتقام حتى من نفسه ، فتكون الساعات الخصوصية له عبئا لا قيمة فيه ولا فائدة.

 7كما أن العديد من الفتيات لا يقصدن المؤسسة رغبة في التعليم بل هروبا من أشغال البيت وسلطة الأسرة و هو ما يفسر مواظبتهن على الحضور في نهاية السنة عندما يتغيب جل الذكور و يفسر أيضا استمرارية البنات(الضعيفات) في الحضور للحصة شكليا فقط ، فلا تكون المدرسة مكانا للمعرفة وإنما منقذا من البيت ووسيلة للتحرر واكتشاف الذات . و من هنا لا تصبح للدروس الخاصة أية فاعلية ما دامت قابلية التلميذة المقصودة هنا للدراسة شبه منعدمة، وتعاملها مع الساعات الخصوصية سيكون بنفس الدوافع مما لا ينتظر منها فائدة.

 8قد يعود الضعف إلى نفسية التلميذ المعاندة في حالة ما إذا كان يرفض السلطوية (سلطة الأب أو المدير أو الأستاذ...) خصوصا في سن المراهقة حيث يكون الرفض والمعارضة المجانيان السمة الغالبة على التلميذ ، و هنا تكون الدروس الخصوصية ترسيخا لهذا العناد و تزكية له.

 9و قد يكون التلميذ يعاني فعلا من ضعف عادي يعود إلى ضعف الأستاذ نفسه أو اكتظاظ القسم حيث تنعدم ظروف التعليم الفاعلة أو عدم تمكن الأستاذ من وسائل التبليغ و الإغراء المعرفي ، أو الوسائل التعليمية التي تحبب المادة للتلميذ ، و قد تكون شخصية المدرس سلبية انطلاقا من سلوكاته اللاتربوية أو قد يكون للمدرس ضعف معرفي أو إهمال و عدم إخلاص في مهنته بإيجابية و فاعلية،ومن هنا يكون من الأصلح والمنطقي تغيير الأستاذ بدعم من جمعية الآباء ومتابعة المرشد التربوي أو المسؤولين المعنيين بالموضوع أو تغيير الفصل الدراسي للتلميذ وليس إضافة ساعات له لا تكون مساعدة بل تصبح أساسية في غياب فاعلية الساعات الأصلية فتكون الساعات الأصلية ثقلا حقيقيا مادامت زائدة ...

10-  لو تطرقنا للمدرس الخصوصي نفسه لوقفنا على مظاهر خطيرة يتعامى عنها المسؤولون و هي أن كثيرا من المدرسين يفرضون على تلامذتهم بالذات دروسا خصوصية بالمقابل المادي، فلا يقومون بواجباتهم بالقسم حتى يضطر التلميذ إلى أخذ دروس ليلية يمنحه على أثرها الأستاذ نقطا خيالية متميزة من قبيل الإشهار لإيجابيات ساعاته الخصوصية ، و يحتسبها في الامتحانات الرسمية بقسمه العادي ، وقد يعطي للتلميذ الفرض الاختباري المقرر انجازه في القسم العمومي مسبقا ومصحوبا بالأجوبة ليحصل على نقط متميزة من أجل ايهام الأسرة بأن ابنهم استفاد من دروسه الخاصة و في مقابل ذلك يمنح هؤلاء( الأساتذة- التجار) نقطا ضعيفة جدا لكل من رفض إضافة دروس ليلية عندهم كوسيلة إجبار وانتقام بشعة تتنافى مع كل القيم، وهذا أمر واقع مر تثبته الوقائع المرة التي نسمعها يوميا وخصوصا في الإعدادي والثانوي، ولأن هاجس التلاميذ مع الأسف هو النقطة فإن التسجيل عند مدرسهم العمومي في ساعاته الخصوصية معناه الحصول على أعلى المعدلات ولو كانوا لايستحقونها ،وهذا يرضي أولياء الأمر الجهلاء.. و قد أصبح العديد من مدرسي المواد العلمية و الرياضية و اللغات يفرضون على تلامذتهم دروسا خصوصية بالتهديد ، ومن هنا لا بد من تدخل المسؤولين لوضع حد لهذه المهزلة قبل الكارثة.

و في هذه الدراسات الليلية خطورة لا يجب إغفالها أيضا ، فهي تأتي في مرحلة زمنية من اليوم يكون فيها مستوى إدراك التلميذ قد ضعف ، و قدرته على التحصيل قد نقصت بسبب الإرهاق اليومي للعقل و قضاء ساعات طويلة بالقسم العادي ، إضافة الى تعب الجسد الصحي بالمقعد كما سبقت الإشارة إليه ، علاوة على تأثير الزمن النفسي على التلميذ الذي يعرف ويحس بأن الليل وقت الراحة والتخفيف من عناء الدراسة بينما هو لا يستفيد من هذه النعم مادام سيستمر في التلقي والدراسة بينما أغلب الناس في راحة ولهذا الشعور جانبه النفسي السلبي على قدرات التلقي . و يضاف الى ذلك الاكتظاظ الملحوظ بقاعة الدرس الخصوصية غالبا ، وعدم صلاحية هذه القاعات ،وعدم تهويتها أو إنارتها بالشكل الكافي و تكون نوعية الأماكن التي تقدم فيها الدروس أحيانا مخجلة(مرآب- بهو، غرفة-مطبخ-سطح..) و بناء على ما سبق يصبح من المستحيل على التلميذ أن يستفيد ، بل يحصل العكس من ذلك و هو مضاعفة الإرهاق و زيادة النفور و اشتداد التشاؤم .

و لا يمكننا أن نغفل العامل النفسي أيضا عندما يصبح هذا التلميذ مجبرا على النجاح حتى لا يواجه سخط و لوم الأسرة التي تذكره دائما بمصاريف الدروس الخاصة الباهظة، و أن النجاح يصبح إلزاميا عليه،ولا يسمح له بالرسوب أو الحصول على نقط ضعيفة ، مما يحرك في التلميذ رد فعل سلبي بشكل منطقي هو الخوف من الامتحان ، فينهار كلما واجه فرضا أو اختبارا ، ويضاعف ساعات العمل بالبيت ليلا وصباحا دون راحة ، خوفا بشكل خطير عواقبه كارثية من الناحية النفسية ،فيترتب عن ذلك كله تعطيل لقوة الذاكرة أثناء إنجاز الامتحانات و هذا ما يترتب عليه حتما الرسوب بدل النجاح ، والمؤكد أن حالات انتحار الطلبة الراسبين في المدارس الخصوصية أعلى منها في المدارس العمومية بسبب الضغوط النفسية الخطيرة على التلميذ الخصوصي.

و من خلال كل ذلك لا يصبح للمعرفة الفاعلة معنى بالنسبة للتلميذ ، و تفقد التربية كل جسر بنفسية الطفل المضطربة التي تتأزم بصورة خطيرة تؤدي إلى مالا تحمد عقباه ،و لا يصبح  النجاح سوى غاية و بأية وسيلة ومهما كان الثمن.

  و انطلاقا من كل ما سبق يلزم وضع الدروس الخاصة والساعات الإضافية المؤدى عنها والساعات الليلية بالبيوت وغيرها في قفص الاتهام لأنها المسؤولة عن تردي التعليم و ليس العكس، ومن باب الصدق والأمانة أقول أن المدرس إذا كان مؤمنا برسالته ، صادقا في عمله ، يخشى الله في وظيفته ، يحس بضخامة ونبل رسالته في وطنه ، يحب مهنته ويحب أبناء أمته ؛ ويستحضر عظمة الجزاء الرباني له في الآخرة ،

ويقدم كل طاقاته بسخاء ونبل واقتناع لا هم له سوى القيام بواجبه كاملا وخدمة أمته ... اذا كان كما قلت فلا أظن أننا نحتاج الى دروس خصوصية  ، لا دور لها سوى الربح الذاتي بعيدا عن كل رسالة . 
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق

إرسال تعليق

الاسمبريد إلكترونيرسالة